|
الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{أَوِ امْرَأَةٌ} معطوف على رجل مقيد بما قيد به، أي وامرأة تورث كلالة.{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}: قرأ سعد بن أبي وقاص من أمّ. وسيأتي ذكر من أخرج ذلك عنه.{فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} قال القرطبي: أجمع العلماء أن الأخوة هاهنا هم الأخوة لأم، قال: ولا خلاف بين أهل العلم أن الأخوة للأب والأم أو للأب ليس ميراثهم هكذا، فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في قوله: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ رجالا ونساء فلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}: هم الاخوة لأبوين أو لأب، وأفرد الضمير في قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}، لأن المراد كالواحد منهما، كما جرت بذلك عادة العرب إذا ذكروا اسمين مستويين في الحكم فإنهم قد يذكرون الضمير الراجع إليهما مفردا كما في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45]. وقوله: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]. وقد يذكرون مثنى كما في قوله: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما}.{فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ} والإشارة بقوله: من ذلك إلى قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ}: أي أكثر من الأخ المنفرد والأخت المفردة بواحد: وذلك بأن يكون الموجود اثنين فصاعدا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى.وقد استدل بذلك على أن الذكر كالأنثى من الإخوة لأم، لأن اللّه شرّك بينهم في الثلث ولم يذكر فضل الذكر على الأنثى كما ذكره في البنين والإخوة لأبوين أو لأب.قال القرطبي: وهذا إجماع. ودلت الآية على أن الإخوة لأم إذا استكملت بهم المسألة كانوا أقدم من الإخوة لأبوين أو لأب وذلك في المسألة المسماة بالحمارية وهي إذا تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأمّ وإخوة لأبوين فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شيء للإخوة لأبوين، ووجه ذلك أنه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم، وهو كون الميت كلالة. ويؤيد هذا الحديث: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر»... وهو في الصحيحين وغيرهما.قال الشوكاني في فتح القدير: وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها المباحث الدرية في المسألة الحمارية. وفي هذه المسألة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف. انتهى.{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ} الكلام فيه كما تقدم.{غَيْرَ مُضَارٍّ}: أي يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار، كأن يقرّ بشيء ليس عليه أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة، أو يوصي لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم يجزه الورثة. وهذا القيد أعني قوله: {غَيْرَ مُضَارٍّ}، راجع إلى الوصية والدين المذكورين، فهو قيد لهما. فما صدر من الإقرارات بالديون، أو الوصايا المنهي عنها له. أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفذ منه شيء لا الثلث ولا دونه.قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز انتهى.وهذا القيد، أعني عدم الضرار، هو قيد لجميع ما تقدّم من الوصية والدّين.قال أبو السعود في تفسيره: وتخصيص القيد بهذا المقام لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم.{وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ}: نصب على المصدر: أي يوصيكم بذلك وصية كقوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 11]. قال ابن عطية: ويصح أن يعمل فيها {مضار} والمعنى أن يقع الضرر بها، أو بسببها فأوقع عليها تجوزا فيكون وصية على هذا مفعولا بها لأن اسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال، أو لكونه منفيا معنى. وقرأ الحسن {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} بالجرّ على إضافة اسم الفاعل إليها كقوله: يا سارق الليلة أهل الدار.{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12)} وفي كون هذه الوصية من اللّه سبحانه دليل على أنه قد وصّى عباده بهذه التفاصيل المذكورة في الفرائض، وأن كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية اللّه، وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه.وقد ورد في تعظيم ذنب الإضرار بالوصية أحاديث قال ابن عباس: هو من الكبائر. أخرجه النسائي والبيهقي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عنه، ورجال إسناده رجال الصحيح.وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي- وحسنه- وابن ماجة- واللفظ له- والبيهقي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى جاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة». ثم يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} إلى قوله: {عَذابٌ مُهِينٌ (14)}. وفي إسناده شهر بن حوشب وثقه أحمد وابن معين.وقال النسائي: ليس بالقوي.وقال أبو حاتم: ليس بدون.وقال ابن عون: تركوه.فائدة:قال القاضي محمد بن علي الشوكاني في مختصره المسمى بالدرر البهية في كتاب المواريث هي مفصلة في الكتاب العزيز ويجب الابتداء بذوي الفروض المقدرة وما بقي فللعصبة، والأخوات مع البنات عصبة، ولبنت الابن مع البنت، السدس تكملة للثلثين، وكذا الأخت لأب مع الأخت لأبوين.وللجدة والجدات السدس مع عدم الأم، وهو للجد مع من لا يسقط.ولا ميراث للإخوة والأخوات مع الابن أو ابن الابن، وفي ميراثهم مع الجد خلاف، ويرثون مع البنات إلا الإخوة لأم، ويسقط الأخ لأب مع الأخ لأبوين، وذوو الأرحام يتوارثون وهم أقدم من بيت المال، فإن تزاحمت الفرائض فالعول.ولا يرث ولد الملاعنة والزانية إلا من أمه وقرابتها والعكس.ولا يرث المولود إلا إذا استهل، وميراث العتيق لمعتقه، ويسقط بالعصبات، وله الباقي بعد ذوي السهام. ويحرم بيع الولاء وهبته ولا توارث بين أهل ملتين، ولا يرث القاتل من المقتول. انتهى.وقال في شرحه المسمى بالدراري المضيئة: اعلم أن المواريث المفصلة في الكتاب العزيز معروفة لم نتعرض هاهنا لذكرها واقتصرنا على ما ثبت في السنة والإجماع ولم نذكر ما كان لا مستند له إلا محض الرأي- كما جرت به قاعدتنا في هذا الكتاب- فليس مجرد الرأي مستحقا للتدوين فلكل عالم رأيه واجتهاده مع عدم الدليل، ولا حجة في اجتهاد بعض أهل العلم على البعض الآخر، فإذا عرفت هذا اجتمع لك مما في الكتاب العزيز وما ذكرناه هاهنا جميع علم الفرائض الثابت بالكتاب والسنة، فإن عرض لك ما لم يكن فيهما فاجتهد فيه رأيك عملا بحديث معاذ المشهور. انتهى.
|